مخاض عسير في دار الاتحاد: أي مصير للحركة النقابية في تونس؟

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مخاض عسير في دار الاتحاد: أي مصير للحركة النقابية في تونس؟, اليوم الاثنين 23 ديسمبر 2024 04:29 مساءً

مخاض عسير في دار الاتحاد: أي مصير للحركة النقابية في تونس؟

نشر بوساطة فؤاد العجرودي في الشروق يوم 23 - 12 - 2024

2338137
بقطع النظر عن التفاعلات التي تحدث في دار الإتحاد يندفع السؤال بشأن مصير الحركة النقابية في تونس؟
والواضح أن كل ما سيستجدّ من تطورات على الساحة النقابية سيدور حول إشكالية مركزية مفادها أن تونس تغيرت وأن كل من يقف أمام التيار التحرري الجارف للشعب التونسي سينفجر من الداخل.
وبالنتيجة عادت الحركة النقابية إلى رهانات مرحلة التأسيس في بداية القرن العشرين التي تأثرت بثلاثة عوامل أساسية أولها بداية تهيكل النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي وثانيها تداعيات الثورة البلشفية في روسيا التي دمرت النظام الإقطاعي وفرضت بالتراكم هيمنة المقاربات الإشتراكية حتى في بلدان المعسكر الغربي وثالثها آثار وعد بلفور ومعاهدة سايكس بيكو اللتين فرضتا التمازج بين حركات التحرر الوطنية والفكر القومي العربي الذي يدور حول الحق الفلسطيني.
وفي المقابل انقضت تماما دوافع العزلة التراكمية التي شهدتها الحركة النقابية الوطنية على امتداد العقود الأخيرة والناجمة بالأساس في تحول المشروع الوطني لدولة الاستقلال إلى مشروع تمكين بشر به بيان السابع من نوفمبر وأدرك ذروته بقيام دولة الغنيمة التي تعني وأد «الدولة الاجتماعية» داخليا والقبول بهيمنة المنظومة الصهيوأطلسية خارجيا.
وعلى هذا الأساس يبدو أن الحركة النقابية في حاجة إلى وقفة تأمل لإستقراء تداعيات مسار كامل دام نحو أربعة عقود من الزمن أدى إلى إفراغ النظام الجمهوري من محتواه مثلما كسر ثابتة عدم الإصطفاف من خلال استبدال الدور الحضاري النشيط لتونس ضمن مجموعة «عدم الإنحياز» بالهيمنة الأطلسية.
هذا المخاض سيؤدي في كل الحالات إلى تذويب المنطلقات الشخصية لحساب انبعاث جديد للحركة النقابية الوطنية يدور حول ثابتة «الحرية» بوصفها أساس وغاية النظام الجمهوري الذي استعاده الشعب التونسي بقيام مسار 25 جويلية الذي أبرق إلى حدّ الآن بما يكفي من رسائل تؤكد أنه بناء وطني جديد من المستحيل أن يتحول إلى مشروع تمكين مهما كان حجم الضغوطات الداخلية والخارجية.
وبالنتيجة تواجه الحركة النقابية تحديات فكرية بالأساس تتجاوز مجرد مسايرة السياق الثوري الراهن إلى الإيمان الفعلي بالقدرات الوطنية والقدرة على تفكيك الإشكالية المركزية التي يدور حولها مصير تونس «لماذا انقلب مسار التقدم والبناء الذي وسم العقود الأول لدولة الإستقلال إلى مسار انحطاط حضاري»؟
وفي هذا الصدد تبدو «الشرعيات» التي انبثقت عن خصوصية معركة التحرير الوطني الأولى وتشكل المجلس التأسيسي عام 1957 وأضعفت مفهوم دولة المؤسسات مجرد إشكالية ثانوية على خلفية أن بذرة الإرتداد إلى التخلف ستظل قائمة ما لم يتم قطع جذورها عبر تجفيف التداعيات الثقافية للحقبة الإستعمارية العثمانية والفرنسية التي فرضت حالة تصادم مستديمة بين التطلعات الوطنية وأدوات إدارة الشأن العام لأنها شوهت سائر مكونات الشخصية التونسية بما في ذلك مفهوم الثروة الوطنية الذي يدور حول ثلاث مكونات أساسية صنعت أمجاد تونس ما قبل الحقبة الإستعمارية هي «العقل والزيتون والبحر».
ومن هذه الزاوية بالذات يبدأ تفكيك كل المفارقات الكبرى التي تواجهها تونس اليوم وأهمها على الإطلاق حالة الإنزواء الثقافي للشعب التونسي الذي ينظر للعالم من زاوية ثلاث أو أربع دول رغم امتلاكه لواجهة بحرية تمتد على 1300 كلم وكذلك ضعف كيان الدولة رغم عراقة الإدارة التونسية منذ حقبة قرطاج حيث أن أول دستور تونسي يعود إلى القرن الثاني قبل ميلاد المسيح.
وبالمحصلة فإن السياق الثوري الراهن يعني استعادة الشعب التونسي للخيارات الوطنية الجوهرية التي تدور حول سؤال مركزي مفاده «لماذا نكتفي بالوقوف في منتصف الطريق إذا كانت القدرات الوطنية تسمح بالذهاب إلى أبعد مدى في امتلاك أدوات القوة والتأثير» .
والواضح أن التفاعل الإيجابي مع هذه الإشكالية الجوهرية يتطلب الإيمان فعليا بأن «مجتمع القانون» هو الضمانة المركزية للحلم التونسي الذي يتفتّق اليوم وهو ما يعني بالضرورة الاعتقاد في التلازم بين سيادة الدولة وكرامة الأفراد واستبدال الشرعيات والحصانات التي تقصي عموم الشعب بثابته «القيام بالواجب لتثبيت الحق».
وفي خضم هذه الرهانات الجديدة تحتاج الحركة النقابية مثل سائر مكونات النخبة إلى تجاوز الشرخ الإبستيمولوجي بالإستعادة التلقائية لأبعادها السيادية الوطنية حتى تهضم استحقاقات الإرادة الحرة للشعب التونسي التي تحتاج إلى ابتكار أدوات فعالة تحول الطاقات الخامدة إلى جهد حقيقي مشترك يسد الهوة القائمة بين الواقع والمتاح.
هذا هو المكان الذي يجب أن تقف فيه الحركة النقابية الوطنية الملزمة أكثر من غيرها بتجسيم المرجعيات الجديدة للمجتمع المناهضة لكل أشكال الوصاية والاستعلاء.
وتحت هذا العنوان الكبير تتأكد حاجة الحركة النقابية إلى استبدال شرعية الإضراب بشرعية البدائل وثقافة الأمل حتى تتقاطع مع الإرادة الشعبية وتتحمّل فعليا المسؤوليات الوطنية الملقاة على عاتقها لا سيما من خلال الدفع نحو إعادة هيكلة الأبعاد الاجتماعية للدولة بتوفير تعليم عمومي مرموق ومنظومة نقل عمومية عصرية وسكن متاح لكل الفئات وصحة للجميع ومكافحة الفردانية التي أدت إلى تغوّل الاقتصاد الريعي وأشعلت فتيل التضخم فالشركات الأهلية في الأصل إحدى لبنات المشروع الثقافي للحركة النقابية الوطنية.
كما تتحمّل الحركة النقابية مسؤولية الدفع نحو إعادة بناء القطاع العام بوصفه القاطرة المؤهلة أكثر من غيرها لكسب رهان التجديد التكنولوجي والرفع من القيمة المضافة للنسيج الاقتصادي الوطني.
ومن جهة أخرى تتحمّل الحركة النقابية أكثر من غيرها مسؤولية مد جسور التواصل مع بلدان الجنوب والاستثمار في السياق الوطني الثوري الراهن بوصفه ميزة تفاضلية Labelle تساعد تونس على استعادة إشعاعها التاريخي في إفريقيا ومزيد الانصهار في تحالف الجنوب الذي سيتحكم في مسار إعادة تشكيل النظام الدولي. علما وأن المعالجة الجذرية لأزمة اللاجئين تبدأ بالاندماج في مسار البناء المشترك مع بلدان إفريقيا.
وبالمحصّلة هناك كثير من الجهد والعمل ينتظر الحركة النقابية بعد أن انقضت كل مبررات الاستثمار في الفراغ فتجديد المقرّ يحتاج إلى تجديد المحتوى.
الأخبار

.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق