بعد زيارة جنبلاط... هل توضع العلاقات اللبنانية السورية على "الأجندة"؟!

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بعد زيارة جنبلاط... هل توضع العلاقات اللبنانية السورية على "الأجندة"؟!, اليوم الخميس 26 ديسمبر 2024 03:07 صباحاً

منذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وانطلاق ما بات يصطلح على تسميتها بـ"سوريا الجديدة"، في مرحلة انتقالية يفترض أن يُبنى عليها الكثير في تحديد معالم المرحلة المقبلة، تُطرَح الكثير من التساؤلات في الداخل اللبناني حول التداعيات المحتملة لما جرى في سوريا على لبنان، لتتفرّع عنها تساؤلاتٌ حول العلاقات اللبنانية السورية ومآلاتها في المرحلة المقبلة، في ظلّ رؤى متباينة، حدّ التناقض، بين مختلف الأفرقاء حول آفاق الحكم الجديد.

لعلّ رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" السابق وليد جنبلاط كان "الأسرع" في تلقّف الكرة، فذهب إلى دمشق بعد أسبوعين فقط على سقوط النظام، وعقد مشاورات مباشرة مع قائد الإدارة السياسية الجديدة أحمد الشرع، ليحذو بذلك حذو دول تبدو "متحمّسة" للحكم الجديد في سوريا، على غرار قطر وتركيا اللتين بقيتا ثابتتين على دعم الثورة السورية ضدّ نظام الأسد، خلافًا لدول أخرى اختارت العودة لتطبيع العلاقات معه في الفترة الأخيرة.

خلافًا لموقف جنبلاط، يبقى "الحذر" سيّد الموقف في تعاطي مختلف الأفرقاء مع الموضوع، بما في ذلك أولئك الذين "احتفلوا" بسقوط النظام في سوريا، وكأنّه "انتصار شخصي" لهم، وإن بدا هؤلاء منفتحين على النظام الجديد، في مقابل "قلق" يسيطر على شرائح أخرى من الحكم الجديد، لم تقلّل من شأنه "التحوّلات" التي طرأت على خطاب أحمد الشرع، الذي لا يزال اللبنانيون وغيره يعرفونه بلقبه الذي التصق به لسنوات، "أبو محمد الجولاني".

وإذا كان "حزب الله" أكثر المعنيّين بالأمر، وهو الذي قاتل لسنوات إلى جانب نظام الأسد، ودفاعًا عنه، ليختار "التريّث" في الحكم على القوى السياسية الجديدة، فإنّ الموقف "الضبابي" يسري أيضًا على مؤسسات الدولة اللبنانية، التي تبدو كمن ينتظر "كلمة السرّ" لفتح الباب أمام العلاقات، وهو ما يقول البعض إنّه مؤجَّل لما بعد انتخاب رئيس للجمهورية، ولو أنّ الثابت أنّ الملف وُضِع على "طاولة النقاش"، على أرفع المستويات!.

في المبدأ، لا شكّ أنّ زيارة النائب السابق وليد جنبلاط إلى دمشق، مع ما انطوت عليه من رمزية استثنائية، لم تكن سوى "أول الغيث" في قطار "الانفتاح" على الحكم الجديد في سوريا، ولا سيما أنّها شكّلت "فرصة" للحديث صراحةً حول الكثير من الملفات العالقة، والشائكة، وربما "جسًّا لنبض" الحكّام الجُدُد، ولا سيما الشرع، الذي لا يزال يعبر بين "الألغام"، وقد بدت تصريحاته، ولو كانت مقتضبة، "مطمئنة" للكثير من اللبنانيين، ولا سيما المتوجّسين منهم.

هنا، يقول العارفون إنّ زيارة جنبلاط لم تكن مستغربة، لا في الشكل ولا في المضمون، بمعزل عن بعض الانتقادات التي طالتها من هذا الفريق أو ذاك، وذلك من باب الرمزية التي حملتها بين طيّاتها، ليس فقط لأنها الأولى من نوعها لزعيم لبناني منذ سقوط النظام، ولا لأنها جاءت بعد قطيعة استمرّت لأكثر من 13 عامًا، ولكن بالعودة إلى "التاريخ"، خصوصًا أنّ لجنبلاط "ثأرًا شخصيًا" مع نظام الأسد، المتهم باغتيال والده، كمال جنبلاط.

وأبعد من هذا البعد "الشخصي" الذي لا يمكن مقاربة الزيارة بمعزل عنه، ثمّة من يتحدّث عن بعد أساسيّ آخر، مرتبط بواقع الدروز في سوريا، إذ إنّ جنبلاط أراد أن يتحرّك بهذه السرعة من أجل التأكيد على موقعهم في "سوريا الجديدة"، وضمان عدم ذوبانهم في أيّ مشروع تقسيمي جديد، علمًا أنّ الكثير من مواقف جنبلاط، التي كان يعتبرها كثيرون "انعطافات"، كانت تقترن في الواقع، بهذا البعد، الذي يشكّل هاجسًا أساسيًا بالنسبة إليه.

إلا أنّ العارفين يؤكدون أنّ الزيارة، في عناوينها العامة، تتخطى كل هذه الأبعاد الشخصية والطائفية، بل يمكن اعتبارها "تأسيسية" إلى حدّ بعيد، من أجل فتح باب إعادة ترتيب العلاقات اللبنانية السورية، وفق أسُس جديدة، بعيدًا عن كلّ ما ساد سابقًا، سواء في مرحلة الوصاية، حين كان السوري يتحكّم بالشاردة والواردة في لبنان، أو حتى ما بعد الانسحاب السوري من لبنان، حيث بقيت علاقاته محور أخذ وردّ في الداخل اللبناني.

من هنا، يمكن القول إنّ زيارة جنبلاط إلى سوريا، فتحت باب النقاش على مصراعيه، حول أفق العلاقات اللبنانية السورية، وهو نقاش لا يبدو أنّه سينتهي بسرعة، في ظلّ الآراء التي تبدو متباينة حتى الآن، لجهة الانفتاح على الحكم الجديد سواء في الوقت الحالي، أو بعد انقضاء المرحلة الانتقالية، ولو أنّ هناك اتفاقًا ضمنيًا بين الجميع على أنّ العلاقات يجب أن تكون "محصَّنة" في كلّ الأحوال، بالنظر إلى التعقيدات التي تحملها.

في هذا السياق، ليس خافيًا على أحد أنّ ثمة فريقًا في لبنان يبدو "متحمّسًا" للحكم الجديد في سوريا، يتصدّره جنبلاط، الذي يعتقد كثيرون أنّه "سيشجّع" كثيرين غيره، خصوصًا من الخصوم التاريخيين والتقليديين لنظام الأسد، إلى الذهاب إلى سوريا في القادم من الأيام، وفتح العلاقات مع الحكّام الجدُد، علمًا أنّ مواقف قوى مثل حزبي "القوات" و"الكتائب" تبدو لافتة، وإن التزمت حتى الآن سقف "الارتياح" لما يصدر من تصريحات.

في المقابل، لا يخفى أيضًا أنّ قوى أخرى تبدو "قلقة ومتوجّسة"، وإن اختلفت أسبابها، بينها من يخشى من أن يسود التطرف والفوضى في سوريا، كما حصل في الكثير من دول ما سُمّي بالربيع العربي، بعد الإطاحة بحكّامها الطغاة، أو أن تكون "سوريا الجديدة" نموذجًا لحكم إسلاميّ من نوع آخر، يأتي على حساب الأقليات مرّة أخرى، لكن بينها أيضًا من يخشى من أن يكون الحكم "انتقاميًا"، خصوصًا من القوى التي دعمت النظام البائد.

في كلّ الأحوال، فإنّ ما يتّفق عليه الفريقان أنّ العلاقات بين لبنان وسوريا ليست ملفًا عابرًا، يمكن ضمّه إلى العناوين الخلافية التي لا تنتهي، بل يجب مقاربته بحذر وجدّية، علمًا أنّ هناك من يعتقد أنّ الأمور ستبقى في العموميّات في المدى المنظور، بانتظار أن يُنتخَب رئيس جديد، فيُطرَح الملف على طاولة حوار وطنيّ، وبانتظار أن تنتظم الأوضاع في الداخل السوري أيضًا، وتتّضح ملامح الحكم الجديد، على المستويين السياسي والأمني.

ويقول العارفون إنّ الكلام الذي صدر عن أحمد الشرع خلال زيارة جنبلاط يعبّر في المبدأ عن "إيجابية" يمكن البناء عليها، فالرجل كان واضحًا بحديثه عن علاقات متوازنة مع مختلف القوى السياسية في لبنان، وبإصراره على ضرورة احترام سيادة لبنان، وإن كان المُنتظَر الغوص أكثر في تفاصيل ملفات أساسيّة، مثل ملف النازحين، وكذلك المفقودين، فضلاً عن ترسيم الحدود، وموضوع مزارع شبعا، وكلّها مؤجّلة لوقت لاحق.

في النتيجة، يرتاح كثيرون في لبنان لمضمون تصريحات الشرع، خصوصًا تلك التي أطلقها أثناء استقبال جنبلاط، من احترام السيادة اللبنانية، إلى رفض النهج "السلبي" الذي اعتمده النظام السابق في لبنان، والتدخّل في شؤونه. لكنّ الأكيد، أنّ المطلوب أكثر بكثير من كلمات، قد تدحضها الأفعال، ما يحتّم ضرورة تحضير الملف جيّدًا، بما يخدم المصلحة اللبنانية، ولكن المصلحة السورية أيضًا، في حال إرساء علاقات سليمة ومتوازنة!.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق