نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كيف يُفهَم موقف "حزب الله" من سقوط نظام الأسد في سوريا؟!, اليوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 04:03 صباحاً
منذ لحظة سقوط الرئيس بشار الأسد في سوريا، اتّجهت الأنظار في لبنان نحو موقف "حزب الله" الذي يُنسَب إليه "الفضل" في إطالة عمر النظام، حين تدخّل عسكريًا لنصرته بعد اندلاع الاحتجاجات في وجهه في العام 2011، تحت عنوان مواجهة ما وُصِفت بالمؤامرة التي تُحاك ضدّه، ومنع الجماعات المتطرّفة من استلام الحكم، فضلاً عن منعها من إكمال مخطّطها الذي لم يكن لبنان بمنأى عنه، وفق السرديّة التي انتشرت يومها.
ومع أنّ عملية "ردع العدوان" التي أطلقتها بعض الفصائل المعارضة لنظام الأسد، جاءت في توقيتٍ "حسّاس" بالنسبة إلى الحزب، حيث تزامنت مع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، عقب حرب إسرائيليّة كانت "قاسية وثقيلة" عليه، ولو أعلن "الانتصار" فيها، إلا أنّ الحزب لم يعدّل في موقفه، فخرج أمينه العام قبل أيام، أو ربما ساعات، من سقوط النظام، ليتحدّث عن "حرب أميركية إسرائيلية" ضدّه، ويعلن الدفاع عنه، "بما يتمكن منه".
انطلاقًا من ذلك، كان من الطبيعي أن يشعر "حزب الله" بالخسارة، مع سقوط النظام في سوريا، فهو الذي دفع كلفة غالية على مرّ السنوات في الدفاع عنه، ولو تحت شعار الدفاع عن لبنان ومقاومته، انطلاقًا من "طريق الإمداد" التي كان يوفّرها النظام المخلوع للحزب، وهو ما انعكس سريعًا على المستوى الشعبي، حيث بدا أنّ جمهور الحزب بقي "وحيدًا" في خانة المدافعين عن النظام، بعدما "انقلب عليه" كلّ مؤيّديه القدامى، والمحسوبين عليه.
لكنّ الانطباع الشعبي لم يترجم على المستوى السياسي، فباستثناء موقف "يتيم" لأحد النواب اكتفى بالحديث عن "خطورة" التطورات في سوريا، تجنّب "حزب الله" التعليق على الأمر، واكتفى ببياناته الرسمية بإدانة التحركات الإسرائيلية "المريبة"، إلى أن بلور أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الموقف في خطابه الأخير، وقوامه تجاوز ما جرى، والتريّث في الحكم على القوى الجديدة بانتظار استقرار الأوضاع، فكيف يُفهَم مثل هذا الموقف عمليًا؟!.
في المبدأ، ليس خافيًا على أحد أنّ "حزب الله" لم يكن مرتاحًا لتطور الأحداث في سوريا، للكثير من الأسباب، من بينها خسارته "التكتيكية" لطريق الإمداد التي كان يعتمد عليها للحصول على السلاح، ولو وصف الشيخ قاسم الأمر بـ"التفصيل"، ولكن أيضًا الخسارة "الاستراتيجية" التي مثّلها سقوط النظام، مع كلّ ما انطوى عليه من "رمزيّة" على مدى 14 عامًا، ولا سيما أنّه جاء ليعزّز صورة "ضعف" كرّستها الحرب الأخيرة، ويسعى الحزب لتفنيدها.
بهذا المعنى، فإنّ سقوط النظام جاء ليشكّل ضربة "معنوية" إضافية للحزب، الذي يواجه منذ ما قبل انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ودخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، حملة غير مسبوقة، تقوم على تصويره "في أضعف حالاته"، انطلاقًا من الخسائر القاسية التي مني بها، ولا سيما بعد اغتيال أمينه العام السابق السيد حسن نصر الله، والتي تعزّزت مع الخروقات الإسرائيلية اليومية للاتفاق، والتي يبدو الحزب عاجزًا أمامها، بعدما ترك المعالجة للدولة.
وليس سرًا أنّ الحزب يحاول التصدّي لمثل هذا الانطباع، بدليل الخطابات المتكرّرة لأمينه العام الشيخ نعيم قاسم، الّذي يحاول من خلالها تثبيت "الانتصار" الذي حقّقته المقاومة في الحرب الأخيرة، ليأتي سقوط النظام السوري في هذه الأوقات، ومباشرةً بعد انتهاء الحرب، ليعقّد عليه المهمّة، خصوصًا أنّ خصومه يتعاملون معه بوصفه "خاسرًا"، وهو ما يتجلّى بوضوح في الداخل مثلاً، من خلال خطاب رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع تحديدًا.
استنادًا إلى كلّ ذلك، فإنّ موقف جمهور "حزب الله" غير المرتاح لما جرى في سوريا من تطورات دراماتيكية يجد مبرّراته، حتى لو أنّ كلّ حلفاء النظام وأصدقاءه "انقلبوا" عليه سريعًا، علمًا أنّ هؤلاء "يتوجّسون" أيضًا من توقيت عملية إسقاط النظام، التي جاءت بعد الحرب مباشرة، بل إنها انطلقت بعد ساعات فقط على تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسد، علمًا أنّ هناك من يخشى من تبعات التحركات الإسرائيلية في سوريا.
رغم هذا الشعور، يوحي الخطاب الأخير للأمين العام للحزب بمقاربة ربما "براغماتية"، ولكن أكثر "واقعية" للتطورات، إذ يلمّح بشكل أو بآخر إلى "تجاوز" صفحة النظام، وقد حرص على عدم الدفاع عنه، أو حتى التطرق إليه، وترك الأبواب مفتوحة أمام إمكانية "التعاون" مع الحكم الجديد، مكتفيًا بتقديم بعض التوصيات له، وعلى شكل "أمنيات"، بما يناقض استعجال بعض المحسوبين عليه في الهجوم عليه، وصولاً لحدّ "تخوينه".
يقول العارفون بأدبيّات الحزب إنّ الواقعية هي التي تطلّبت "طيّ الصفحة"، فالحزب يدرك أنّ أمر النظام قد انتهى، وأنّ الدفاع عنه لم يعد مفيدًا، لأنّ ثمّة صفحة جديدة فُتِحت في سوريا، علمًا أنّ هناك من تحدّث عن إشكاليّة "أخلاقيّة"، بعدما تكشّف عن ممارسات هذا النظام، بمعزل عن المبالغات التي ربما وقعت المعارضة في فخها، إذ إنّ تعبيد "طريق الإمداد" لا يبدو كافيًا للدفاع عن نظام قمعيّ، يختصر واقع السجون، وقصص المخفيّين، الكثير من دهاليزه.
وفي السياق نفسه، يُفهَم "انفتاح" الحزب، على مستوى الخطاب الرسمي، على الحكم الجديد في سوريا، رغم القناعة الضمنية بأنّ "الكيمياء مفقودة" بين الجانبين إلى حدّ بعيد، فالمعارضة السوريّة بمختلف قواها تعتبر الحزب "شريكًا" لنظام الأسد على مرّ السنوات الماضية، ولو تبنّت خطاب "العلاقات الندية" مع لبنان، في حين أنّ الحزب من جهته "يتوجّس" من قيادتها، خصوصًا "هيئة تحرير الشام"، ولا يبدو مقتنعًا بما سمّي بـ"تحوّلات" طرأت على خطابها.
ولعلّ "التوصيات" التي خرج بها الشيخ قاسم في خطابه الأخير، تختصر جزءًا من الهواجس التي يشعر بها الحزب، ولا سيما ما يتعلق بإسرائيل، التي تمنّى أن يعتبرها الحكم الجديد "عدوًا"، وألا يذهب إلى "التطبيع" معها، علمًا أنّ المحسوبين على الحزب يسجّلون الكثير من "التحفّظات" على الأداء، الذي لم يعكس حتى الآن حالة "الصراع" مع إسرائيل، بدليل عدم تقديم شكاوى ضدّ الخروقات الإسرائيلية، بعيدًا عن بعض التصريحات المندّدة، التي بدت "متواضعة".
يبقى الأهم في خطاب الشيخ قاسم الأخير، ربطًا بالأحداث السورية، قوله بعدم جواز الحكم على القوى الجديدة في سوريا، بانتظار استقرار الأوضاع وانتظامها، وتأكيده على حقّ الشعب السوري في تقرير مصيره. ثمّة من يقول إنّ هذا الخطاب "يتناقض" مع أداء الحزب في سوريا منذ اندلاع الثورة عام 2011، لكن ثمّة من يقرأ فيه "واقعية" لا بدّ منها، فعدم الانقلاب على النظام، كما فعل كثيرون، لا يحتّم "القطيعة" مع سوريا، المهمّة استراتيجيًا للحزب!.
أخبار متعلقة :