هرم مصر

بورتريه: جامعة العرب... جامعة الخراب

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بورتريه: جامعة العرب... جامعة الخراب, اليوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 03:13 مساءً

بورتريه: جامعة العرب... جامعة الخراب

نشر بوساطة فؤاد العجرودي في الشروق يوم 17 - 12 - 2024


تحوّل ميثاق الجامعة العربية إلى كفن لجسد ميّت في خضم التضارب القائم بين الأقوال والأفعال. وربما جاءت مأساة سوريا لتحفّز ما تبقى من أحرار الأمة على البحث عن أفق جديد يستوعب تمسكها بالسيادة والهوية العربية بعيدا عن مبنى الجامعة العربية الذي نخره السوس وأصبح بكل المقاييس فضاءا لتعويم وتبييض التآمر على الشعوب العربية.
وللتاريخ دفنت الجامعة العربية عندما خرجت من تونس إلى القاهرة في نهاية ثمانينات القرن الماضي فابتداء من تلك اللحظة سقط الفيتو العربي على التطبيع الذي كان سببا لعزل مصر ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس بعد قيام معاهدة «كامب دايفد» عام 1979 تزامنا مع انتقال القيادة العسكرية والسياسية الفلسطينية إلى تونس بعد أن ضاقت عليها الأرض العربية إثر الاجتياح الصهيوني المتوحّش لجنوب لبنان وما تسبب فيه من مذابح في المخيمات الفلسطينية اشترك في تنفيذها السفاح «أريال شارون» رئيس حكومة إسرائيل الأسبق والميليشيات اللبنانية الموالية للكيان.
وكان الشاعر الفلسطيني الفذ محمود درويش قد وثق تداعيات تلك الظروف العصيبة بقولته الشهيرة «تونس هي البلد العربي الوحيد الذي لم نُطرد منه» تعبيرا عن تفاعل الضمير الفلسطيني مع الخذلان العربي الذي يدرك اليوم ذروته حيث أصبح الكيان الصهيوني يعوّل بالدرجة الأولى على عمالة محور التطبيع لتغيير المعادلات الاستراتيجية واستكمال تدمير ثقافة المقاومة في المنطقة العربية بأسرها حتى تصبح دولها مجرّد محافظات أو إمارات تخضع لحكم السلطة المركزية في تل أبيب.
والواضح أن اجتماع «العقبة» الأردنية الذي ترأسه وزير الخارجية الأمريكي طوني بلينكن جاء ليؤكد بشكل جلي وحاسم أن أنظمة التطبيع العربية صارت لا تخجل من الإفصاح عن انخراطها الكامل في خانة أجندات الماصونية العالمية التي تضع العرب أمام خيارين إما حكم الإرهاب أو الانخراط في المعاهدة الابراهيمية التي تعني تذويب الحضارة العربية الإسلامية في العقيدة الصهيونية اقتباسا من مسار تشكل «المسيحية الصهيونية» الذي بدأ بتدمير وحدة الديانة المسيحية في نهاية القرن السادس عشر. وعلى هذا الأساس يندفع السؤال ماذا بقي من وشائج الأخوّة حتى يجتمع المطبعون والأحرار تحت قبة الجامعة العربية التي أصبحت بالتراكم واحدة من مكونات البيروقراطية الإقليمية والدولية التي تعوّل عليها الحركة الصهيونية لتثبيت المعادلات التي تحمي مشروعها الهادف إلى إدماج كل البشر في «دين المال» باستخدام الإرهاب والتضليل. ومأتى السؤال أن خيارات الأنظمة المنخرطة في التطبيع بصنفيه المعلن والناعم تمثل خطرا جسيما على الأمن القومي لبقية شعوب المنطقة وتهديدا مباشرا للدول الافريقية التي قطعت أشواطا هامة على درب التحرّر من قبضة الغرب الجماعي وذلك في خضم الترابط العضوي بين إفريقيا والشرق الأوسط الذي كان أساس أجندا الشرق الأوسط الكبير الممتد من دمشق إلى عمق القرن الإفريقي.
وبالنتيجة صدقت توقعات القائد الليبي الراحل معمر القذافي الذي أعلن منذ عام 2001 يأسه من النظام العربي وتوجه إلى إفريقيا عبر تأسيس تجمع الساحل والصحراء قبل أن تتدخل المنظومة الصهيوأطلسية بثقلها لإفشال هذا التجمع وتلغيم منطقة الساحل الافريقي بالإرهاب لوضع منطقة المغرب العربي تحت ضغط التهديد بالإرهاب وهو ما ساهم بشكل فاعل في تمرير أجندا الربيع العبري التي كادت تعيد المنطقة بأسرها إلى العصر الحجري لولا الصمود الأسطوري للجيش الوطني السوري الذي ضخ في شرايين بلدان الربيع زخات من الأوكسيجين ساعدتها على إحباط المخططات الصهيوإخوانية. ومن هذه الزاوية بالذات يتأكد أن نشوة المطبعين بالنصر المبين في اجتماع «العقبة» الأردنية لا تتمفصل عن التضليل الصهيوني الذي يهدف إلى بث الرعب والإحباط في وجدان الشعوب العربية عبر الإيحاء بأنه لم يبق أمامهم بعد سقوط النظام السوري سوى رفع رايات الاستسلام للصهاينة وذلك بالتوازي مع التحريف الحاصل للوقائع من أجل «دمقرطة» الإرهاب الذي دخل إلى دمشق على دبابات الأتراك والصهاينة. إن نكسة سوريا هي بلا شك ضربة قوية للنظام العربي لكن ينبغي التوقف كثيرا عند دوافعها وأبعادها باعتبارها اضطرارا وليس خيارات كما تروّج لذلك آلة التضليل الإعلامي الصهيونية بما في ذلك الكثير من القنوات الخليجية حيث أن الحديث عن ربيع عبري جديد يتعارض مع حقيقة الأوضاع بعد أن اكتسبت العديد من شعوب المنطقة في تونس والجزائر والعراق وغيرها مناعة ضد التضليل والثورات الملونة كما أن الحق الفلسطيني هو حق للشعب الفلسطيني لا يمكن أن تتحكم في مصيره مجرّد طائفة أو فصيل.
وعلى هذا الأساس تمثل التطورات الحاصلة في سوريا حافزا للدول العربية التي لم يضربها فيروس التطبيع على المضي قدما في خياراتها السيادية والدخول في مشاورات فيما بينها للانهصار في كيان جامع جديد يستوعب بالفعل إيمانها بوحدة المصير أما أولئك الذين احتفلوا في «العقبة» فيبدو أنهم غير قادرين بسبب مرض انسداد الأفق على فهم ما قصده الرجل بقوله «للبيت ربّ يحميه» عندما جاء ملك الحبشة «أثيوبيا» لتدمير الكعبة بتحريض من اليهود في عام الفيل الذي شهد ميلاد خاتم الأنبياء (محمد صلى الله عليه وسلم).
الأخيار

.




أخبار متعلقة :