نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق .. ثورة الملح, اليوم السبت 16 نوفمبر 2024 11:10 مساءً
نشر في الشروق يوم 16 - 11 - 2024
في أكثر من مرّة تحدث رئيس الجمهوريّة عن أن تونس تخوض معركة تحرير شاملة. و الحقيقة أنّ الملفات التي يقع كشفها تباعا تثبت حجم الفساد الذي تغلغل في البلاد، وحجم التغلغل الاستعماري في مفاصل الاقتصاد الوطني ما كبّله وجعله غير قادر على الاستقلال الفعلي أن أصحاب القرار في الدول التي تستفيد من كل قطاع إنتاج تونسي على حده. وما تكشفه أزمة قطاع زيت الزيتون على أهمّيته، تثبت حجم التبعية التي عاشتها تونس طوال عقود من الزمان، رغم أن البلد من أوائل الدول المنتجة فإنّه لم ينجح في إرساء صناعة محليّة شاملة لزيت الزيتون، تكون علامة مميّزة في العالم بالرغم من النجاحات الكثيرة التي يحققها القطاع. إذ تكشف هذه الأزمة أن قطاع زيت الزيتون هو قطاع تابع وليس مستقلا فعليا عن القوتين الكبريين المتحكمتين في السوق العالمية وهو إسبانيا و إيطاليا.
ومن هذا المثال يمكننا القياس على عدة قطاعات استراتيجية مثل الفسفاط. حيث لا نستغل ثروتنا و لا نصنّعها بالطريقة التي تجعلها ذات مردودية عالية و ذات قيمة مضافة حقيقية. أما بقيّة الثروات، فإنها لا تقل أهمّية، ولكنّ أغلبها منسي. فعلى سبيل المثال صنّفت تونس في العام 2022 تاسع مصدّر عالمي للملح بنحو مليوني طنّ. وهي البلد العربي الوحيد المصنف ضمن الدول العشر الأوائل في العالم الأكبر تصديرا لهذه الثروة الطبيعية. ولكن ما عائدات هذه الكمّية الهائلة التي تصدرها تونس؟ إنها في الواقع لا تتجاوز 97 مليون دولار ، ولكم أن تتخيلوا سعر الطن من هذه المادة التي يشتد عليها الطلب العالمي، ولنا أن نتساءل عن حجم الهدر المالي الناتج عن اتفاقيات استعمارية مازالت سارية إلى اليوم .
إن "ثورة الملح"، وتحريرها وتحويلها إلى ثروة حقيقية ينتفع بها الشعب التونسي، لا تقل شأنا عن معركة التحرير الشاملة التي يتحدث عنها رئيس الجمهورية في كل مناسبة. ذلك أن تونس زاخرة بالخيرات التي تجعلها دولة غنية وشعبها يعيش في رفاهية ولكن تحقيق هذا الأمر هو مسؤولية جماعية، تستند إلى عقلية مواطنية و وطنية بضرورة التحرر الفعلي من التبعية القاتلة ومن الاستعمار الاقتصادي الذي قتل فينا القدرة على العمل الذاتي وعلى الإنتاج. و لأنها حرب تحرّر شاملة، فإنّها ليست سهلة، فقديما خاضت الإمبراطورية الصينية ما سمّي بحروب الملح، دفاعا عن ثورتها الوطنية. ومن الأساطير المروية عن تخريب روما لأرض قرطاج أنها نثرت الملح على أرض قرطاج حتى تفسدها.
كمال بالهادي
.
أخبار متعلقة :